شهدت أسعار الذهب في الأسواق المحلية انخفاضًا كبيرًا بنسبة 3.5% خلال الأسبوع الماضي، متأثرة بتراجع الأوقية عالميًا بنسبة 3.3%، بسبب قوة الدولار وجني الأرباح، مع تحسن طفيف في شهية المخاطرة بعد ظهور مؤشرات إيجابية حول العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وذلك وفقًا لتقرير صادر عن بوابة مولانا.

وذكر سعيد إمبابي، المدير التنفيذي للمنصة، أن جرام الذهب عيار 21 شهد انخفاضًا قدره 200 جنيه خلال الأسبوع، حيث بدأ التداولات عند 5750 جنيه وبلغ أعلى سعر له 5900 جنيه، ليغلق الأسبوع عند 5550 جنيهًا.

وعلى الصعيد العالمي، تراجعت الأوقية بنحو 140 دولارًا، من 4254 دولارًا إلى مستوى قياسي بلغ 4381 دولارًا، قبل أن تُغلق عند 4114 دولارًا للأوقية، وأضاف إمبابي أن سعر عيار 24 سجل 6343 جنيهًا، وعيار 18 نحو 4757 جنيهًا، وعيار 14 حوالي 3700 جنيه، بينما استقر سعر الجنيه الذهب عند 44400 جنيه، وأكد أن أسعار الذهب في الأسواق المحلية ارتفعت بنسبة 48% منذ بداية العام، وعالميًا بنحو 57%.

رغم التراجعات الأخيرة، أشار إمبابي إلى أن السوق المحلي يشهد طلبًا قويًا على السبائك والجنيهات الذهبية، مدفوعًا باستفادة المواطنين من التصحيح الأخير في الأسعار بعد الارتفاع القياسي، على أمل استئناف الاتجاه الصاعد في الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن نقص المعروض دفع العديد من التجار للتصدير في فترات سابقة، بالإضافة إلى موجات البيع من حائزي الذهب عند المستويات التاريخية.

وأشار إمبابي إلى أن نقص المعروض أدى إلى تمديد فترات تسليم الذهب في الشركات والمحلات لتتراوح بين أسبوع وشهر، لحين توفير الكميات المطلوبة عبر الاستيراد أو إعادة تدوير الذهب المستعمل الذي يتم جمعه من السوق.

ولفت إلى أن هذه الظاهرة ليست جديدة على السوق المصري، حيث ظهرت بشكل واضح لأول مرة في مارس 2022 بعد خفض قيمة الجنيه وتقييد الاستيراد، مما دفع المواطنين آنذاك إلى شراء الذهب كوسيلة للتحوط في ظل أزمة شح الدولار.

وكشف عن أن ارتفاع تكاليف الإنتاج أدى إلى عدم قدرة العديد من المحلات على الالتزام بالمصنعية المرتفعة التي تفرضها الشركات.

ارتد الذهب صعودًا جزئيًا بنهاية تعاملات الجمعة، بعد صدور بيانات التضخم الأمريكية لشهر سبتمبر التي جاءت أقل من التوقعات، مما عزز الرهانات على خفض الفائدة، وأظهرت البيانات ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 3% على أساس سنوي، أقل من توقعات 3.1%، بينما ارتفع التضخم الأساسي (باستثناء الغذاء والطاقة) بنسبة 3% أيضًا، منخفضًا عن الشهر السابق.

أظهرت أداة “برايم ماركت ترمينال” احتمالية بنسبة 96% لخفض الفائدة في اجتماع الفيدرالي يومي 28-29 أكتوبر، كما تسارع نشاط الأعمال في الولايات المتحدة وفق بيانات ستاندرد آند بورز جلوبال، بينما انخفضت ثقة المستهلك حسب قراءة جامعة ميشيغان المعدلة.

تزامن ذلك مع إعلان البيت الأبيض عن لقاء بين الرئيس الأمريكي والرئيس الصيني الأسبوع المقبل في كوريا الجنوبية، مع اقتراب موعد الرسوم الجمركية الجديدة مطلع نوفمبر، وزادت التقلبات الجيوسياسية تجاه الذهب بعد فرض ترامب عقوبات جديدة على روسيا على خلفية حرب أوكرانيا، شملت شركتي «لوك أويل» و«روسنفت».

أوضح إمبابي أن الذهب حقق مكاسب استثنائية هذا العام بدعم من التوترات الجيوسياسية، والمشتريات الضخمة للبنوك المركزية، وتوقعات تيسير السياسة النقدية الأمريكية، ورغم تراجع عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى 3.989%، إلا أن الأسعار تعرضت لتصحيح فني بعد موجة صعود استمرت تسعة أسابيع متتالية، وهي رابع أطول سلسلة ارتفاع منذ عام 1978.

أظهر التحليل التاريخي أن فترات الصعود الطويل عادةً ما تتبعها تراجعات قصيرة، لكنها سرعان ما تنتهي باستئناف الاتجاه الصاعد على المدى الطويل.

يرى «جي بي مورجان» أن متوسط سعر الذهب قد يصل إلى 5055 دولارًا للأوقية خلال الربع الأخير من 2026، مع استمرار مشتريات المستثمرين والبنوك المركزية عند معدل 566 طنًا فصليًا، ويعتبر مراقبون أن التصحيح الحالي صحي وطبيعي وضروري لاستمرار الزخم الإيجابي، ولا يشير إلى أي انعكاس جوهري في الاتجاه العام.

يشير التراجع الذي شهدته أسعار الذهب هذا الأسبوع إلى تصحيح فني طبيعي ناتج عن عمليات جني الأرباح، بعد موجة الصعود القوية التي سجلها المعدن النفيس مؤخرًا، دون أن يعكس ذلك أي تحول جوهري في العوامل الاقتصادية الداعمة للاتجاه الصاعد، فمرحلة التماسك الحالية تُعد جزءًا صحيًا وضروريًا لاستمرار الزخم الإيجابي على المدى المتوسط والطويل.

يبدو أن الذهب مستعد لاستئناف مساره الصعودي نحو مستويات أعلى بمجرد استقرار حركة السوق، خاصة في ظل توقعات الإبقاء على السياسة النقدية التيسيرية واستمرار الضغوط التضخمية، مما يجعل من التراجع الأخير فرصة شراء لدى العديد من المستثمرين، وليس بداية لانعكاس مستدام في الاتجاه.

وينصح الخبراء بتوخي الحذر على المدى القصير، استنادًا إلى أنماط تاريخية تظهر عادةً بعض الضعف المرحلي عقب موجات الارتفاع الطويلة، بينما تظل الأساسيات الداعمة للمعادن الثمينة قوية وتواصل تعزيز جاذبية الذهب كملاذ آمن واستثمار استراتيجي.

في ضوء ما تشهده الأسواق من تذبذبات متسارعة، يبدو أن الذهب لا يزال محتفظًا بمكانته كأحد أهم أدوات التحوط في مواجهة الضبابية الاقتصادية العالمية، فبقاء التضخم فوق المستهدفات، واستمرار حالة القلق من السياسات المالية والنقدية، إضافة إلى تصاعد المخاطر الجيوسياسية، كلها عوامل تجعل أي تصحيح في الأسعار حركة طبيعية داخل مسار صاعد أوسع.

تشير التوقعات إلى أن السوق يدخل مرحلة إعادة التقاط الأنفاس، تمهيدًا لجولة جديدة من الارتفاعات، لا سيما مع استمرار الطلب المؤسسي وقوة مشتريات البنوك المركزية.